باحثة تكشف لـ “اليوم” تفاصيل أول دراسة سعودية في “الزمكان” وفهم أعماق الكون
قالت الباحثة في علوم الفلك والفضاء الإثرائي شهد السهيمي لـ اليوم: إن انحناء الزمكان يمثل أحد أهم المفاهيم في الفيزياء الحديثة، وهو أساس لفهم كيفية تفاعل الكُتل الضخمة مع المكان والزمن في الكون.
وأوضحت أن هذا المفهوم يُعد جوهر نظرية النسبية العامة التي طوّرها ألبرت أينشتاين عام 1915، حيث يُنظر إلى الجاذبية ليس كقوة تقليدية، بل كنتيجة مباشرة لانحناء نسيج الزمكان بفعل الكتلة.
الثقوب السوداء مختبرات طبيعية
وأضافت أن الثقوب السوداء هي النموذج الأكثر تطرفًا وتعبيرًا عن هذه الظاهرة، فهي أجسام فائقة الكثافة تُحدث تشوهًا هائلًا في الزمكان، يجعل حتى الضوء غير قادر على الهروب منها.
شهد السهيمي
وأكملت: بهذا، تُمثل هذه الأجرام الكونية الغامضة مختبرات طبيعية فريدة، تُتيح للعلماء دراسة الجاذبية والزمان والمكان في بيئة لم تُرصد مثلها في أي مكان آخر.
وبيّنت أن الزمكان يُمثّل نسيجًا رباعي الأبعاد، يتكون من ثلاثة أبعاد مكانية «الطول، العرض، الارتفاع» بالإضافة إلى الزمن كبُعد رابع، مشبهةً إياه بسطح مرن ينحني عندما توضع عليه كتلة ضخمة، كالنجم مثلًا، ما يؤدي إلى تحرك الأجسام المحيطة في مسارات منحنية ناتجة عن هذا التشوه.
وتابعت: هذا التفسير الحديث للجاذبية يغيّر نظرتنا التقليدية للكون، ويجعلنا نفهم مدارات الكواكب والنجوم كحركة طبيعية على هذا السطح المنحني.
بقايا النجوم وبنية الثقوب السوداء
وذكرت أن الثقوب السوداء، التي تتشكل من بقايا نجوم عملاقة، تظهر كمناطق سوداء معتمة بسبب جاذبيتها الهائلة، فعندما تنهار هذه النجوم على نفسها بعد نفاد وقودها النووي، تُشكّل كثافات لا يمكن لأي إشعاع – حتى الضوء – أن يهرب منها، فتبدو لنا كأنها تبتلع كل ما حولها، مضيفة أن الأوساط العلمية تعتقد بوجود ثقب أسود هائل الكتلة في مركز كل مجرة، يقوم بتنظيم حركة الأجرام السماوية في محيطه.
وتحدثت السهيمي عن البنية الداخلية للثقب الأسود، وأبرز مكوناته أفق الحدث، وهي الحدود التي إذا تجاوزها جسم ما، فإنه لن يستطيع العودة، أما في المركز، فتكمن المفردة، أو Singularity، وهي نقطة تفقد فيها الفيزياء الكلاسيكية معناها، إذ تصل الكثافة فيها إلى ما يُعتقد أنه لانهاية.
ولفتت إلى أن انحناء الزمكان قرب الثقوب السوداء يتم على ثلاث مراحل رئيسية، أولًا عند الحواف الخارجية حيث تبدأ الجاذبية بالتأثير على مسارات الأجسام، ثم قرب أفق الحدث حيث يتباطأ الزمن بشكل شديد بسبب تمدد الزمن الجذبي، وأخيرًا داخل أفق الحدث، حيث يصبح الانحناء لا يمكن تصوره، وتتجه كل المسارات نحو التفرد.
وأوضحت السهيمي أن هذه الظواهر لم تعد فقط موضوعًا للنظرية، بل أصبحت قابلة للرصد، ففي أبريل 2019، التقط فريق تلسكوب Event HorizonTelescope، أول صورة حقيقية لثقب أسود يقع في مركز مجرة Messier 87، على بُعد نحو 55 مليون سنة ضوئية، وظهرت في الصورة حلقة مضيئة تحيط بظل الثقب الأسود، ما شكل إثباتًا مباشرًا لتنبؤات أينشتاين حول انحناء الضوء تحت تأثير الجاذبية.
وأكدت أن دراسة الثقوب السوداء لا تهدف فقط لفهم هذه الأجسام الغريبة، بل تسعى إلى كشف العلاقة بين النظريتين الأعظم في الفيزياء النسبية العامة وميكانيكا الكم، وأن الوصول إلى توحيد هاتين النظريتين قد يكون المفتاح لفهم أصل الكون، وظواهر مثل الانفجار العظيم، ونشأة الزمان والمكان.
الإلهام عبر استكشاف الثقوب السوداء
وذكرت السهيمي أن استكشاف الثقوب السوداء يُعد من أكثر مجالات الفيزياء إلهامًا، ليس فقط للعلماء، بل لعامة الناس أيضًا، لما تحمله هذه الظواهر من غموض وإثارة، وأن ربط العلم بالدهشة هو ما يدفع الإنسان دومًا إلى التساؤل والبحث والاستكشاف، وهذا جوهر ما يجعل علم الفلك ممتعًا ومُلهمًا.
واختتمت بأن انحناء الزمكان بفعل الكتل الضخمة، خاصة عند حدود الثقوب السوداء، يكشف عن مدى تعقيد وجمال الكون، ويُعيد تشكيل فهم الواقع ذاته، فالثقوب السوداء ليست مناطق نهاية، بل بدايات لأسئلة جديدة، وهي بمثابة نوافذ نطل منها على عمق لا متناهٍ من الفهم.
صحيفة الرياض 24 ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة السعودية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة