من بلفور إلى حلّ الدولتين: تقاطع الأزمنة وانكسار الخرائط يعيدان تشفير الجيوسياسة العالمية
بقلم: حسّام البدري
نصوصٌ تتجاوز حدودها: من البيان السياسي إلى الشيفرة الجيوسياسية
هناك نصوص تتجاوز لحظتها وتصبح قوانين زمنية تتحكم في مسار الخرائط حتى بعد مئة عام.
وعد بلفور أحد هذه النصوص، إذ لم يعد مجرد بيان سياسي بل تحوّل إلى شيفرة بنيوية تشقّ النظام الدولي .
فهل يمكن أن تظلّ الكلمات أسيرة الورق بينما الخرائط تتصدع عند كل منعطف؟
وهل النصّ يُنتج الجغرافيا أم أنّ الجغرافيا تبقى رهينة النصوص التي كُتبت قبل قرن؟
إنه نص صنع واقعاً ممتداً، ومع كل منعطف تاريخي يتضح أن بعض الكلمات قد تتحول إلى بنية حكم تظل تحكم الزمن والجغرافيا معاً.
بلفور: من ضمان الحقوق إلى فراغ الشرعية
حين صيغت العبارة:
“على ألا يُؤتى بعملٍ من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية في فلسطين…”
كان يُراد لها أن تكون مظلّة قانونية.
لكن سرعان ما تحولت إلى فراغ استراتيجي؛ نص بلا قوة، ضمانة بلا ردع.
وهنا يُطرح سؤالٌ لا يزال حاضرًا:
هل القانون إذا فُصل عن القوة يظلّ قانوناً، أم يصبح ديكوراً يزيّن فراغ النفوذ؟
فالنتيجة التي تركها هذا النص كانت فجوة واسعة، حيث باتت القوانين حبراً على ورق وأصبحت الحقوق أسيرة غياب الردع.
حلّ الدولتين: إعادة ترميز المعادلة الاستراتيجية
اليوم، مع تصاعد موجة الاعترافات بالدولة الفلسطينية، هل نشهد إعادة ترميز الخريطة بعد أن انفلتت من النصوص الأولى؟
هل يستطيع الاعتراف أن يسبق الجغرافيا ويصنع الدولة، أم يبقى حبراً جديداً فوق الورق القديم؟
وإذا كان حلّ الدولتين قادراً على استعادة شيء من ميزان العدالة، فهل يعيد أيضًا تشكيل هندسة الردع الدولي بأكملها؟
فهو ليس حلاً بسيطاً بل إعادة صياغة لمعنى الدولة والسيادة وكيف يمكن للنصوص الجديدة أن تفرض حضورها على خرائط العالم.
تقاطع الأزمنة: الماضي كآلة لإعادة إنتاج القوة
في هذا التقاطع بين نصّ قديم وواقع مأزوم وزمن قادم، تتزاحم الأسئلة:
هل نعيش استنساخاً آخر لدوائر التاريخ أم لحظة كسرٍ لسلسلة متواصلة منذ 1917؟
وهل سيظلّ التاريخ مصدر شرعية أو ذريعة لصناعة توازنات جديدة؟
إن الحاضر هنا ليس إلا إعادة فتح لأبواب الماضي واستدعاءً لسلطته الكامنة في إعادة تشكيل القوة.
انكسار الخرائط: الشرق الأوسط كاختبار للمنظومة الدولية
الشرق الأوسط اليوم ليس مجرد جغرافيا؛ إنه مختبر عالمي.
فإذا كانت القوة الأميركية لم تعد حصرية، وإذا كانت أوروبا غارقة في ميراثها الأخلاقي، وإذا كانت روسيا والصين تدخلان من الشقوق الجيوسياسية،
فأية خرائط سترسمها القوى الصاعدة فوق الأنقاض؟
وهل هذا التصدّع سيقود إلى استقرار جديد أم إلى فوضى أكثر رسوخاً؟
إنه مشهد مكتمل لانهيار الخرائط القديمة، حيث تُختبر قدرة العالم على إعادة إنتاج الاستقرار في بيئة مليئة بالتصدعات.
فوالق الصدع الجيوسياسي: فلسطين مجهر للنظام الدولي
القضية الفلسطينية أصبحت مجهرًا يكشف هشاشة المعايير الدولية.
فهل الردع اليوم ملكٌ للصواريخ فقط؟ أم أنّه يملك وجهًا آخر: قوة القانون حين يكتسب وزنًا تنفيذياً؟
وأيّهما أكثر تأثيرًا في تموضع القوى: امتلاك الأرض، أم امتلاك القدرة على فرض شرعية الأرض؟
إنها مرآة تضع كل مفاهيم القوة أمام امتحان جديد، حيث ينهار احتكار الردع لصالح إعادة تعريفه.
الانفجار الصامت: إعادة هندسة الردع وتموضع القوى
الانفجار القادم لن يكون عسكريًّا؛ إنه انفجار في شبكة المعاني.
من يملك القدرة على إعادة كتابة الخرائط بالشرعية قبل القوة سيملك مفاتيح التوازن القادم.
لكن… هل ستنجح هذه المرة إرادة النص في إعادة تشكيل العالم؟ أم أن التاريخ سيعيد الكرة، ويترك النصّ معلّقاً فوق فالق جديد؟
وها نحن أمام تحول كبير: القوة الرمزية تتسلل ببطء لتعيد صياغة موازين النفوذ قبل أن يتكلم السلاح.
خاتمة: هل تغلق الخرائط صدع القرن الماضي أم تُعمّقه؟
من بلفور إلى حلّ الدولتين، نحن أمام مفترق يتجاوز فلسطين نفسها:
هل سيغلق هذا الحلّ فالق القرن العشرين، أم يفتح شقوقًا جديدة أشد عمقًا في جسد القرن الحادي والعشرين؟
وهل العالم اليوم يملك شجاعة صياغة نظام قانوني جيوسياسي يسبق الخرائط؟
أم أنه سيكتفي بإضافة حبر جديد إلى خرائطٍ انهارت أكثر مما اتسعت؟
إنها نهاية مفتوحة لسؤال لم يزل معلقاً منذ قرن، سؤال: هل يكتب المستقبل نفسه من جديد أم يكرر الخرائط الممزقة؟
صحيفة الرياض 24 ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة السعودية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة