أزمة القرض الحسن بين غياب الحوكمة وتحديات الاستدامة
د. عبد المحسن اللافي اسويسي سعد
للوهلة لا يمكن تجاهل مدى ما رسخه القرض الحسن من تضامن مالي بحسب ما انطوى عليه من قيم انسانية واجتماعية واقتصادية في كنف المجتمعات الإسلامية؛ ولما كان القرض الحسن في معناه يعني سد حاجة المستفيد منه بتمويله مالياً دون فوائد أو تحميل لاي تبعات وأعباء، كان أكثر إلحاحاً لتأطيره ضمن سلسلة من المعايير والضوابط خاصة الرقابية منها لضمان نوع من الاستدامة فيه سعياً لتكريس هذه القيم المشار إليها، لاسيما ونحن نعرض له في مساق يفتقر لأي ضمانات لعل أكبرها ألا يحرر هذا القرض أو يكتب إذا ما تداول بين الأقارب والأزواج مثلا-أي على مستوى الأفراد-فإقراض المال بحسن نية سلوك شائع بين الأقارب والأزواج والأصدقاء، ينتهي في المعظم إلى اللجوء للقضاء لما يمكن أن تنطوي عليه التعاملات ذات الطابع المالي من حرج بين الأقارب والأصدقاء.
ولعل ما صدر عن البنك الإسلامي للتنمية عام 2018 من دراسة ذات علاقة، تعكس وبجلاء هذا الإشكال، حيث جاء فيها أن ما يقدر بحوالي 70% من القروض الحسنة الممنوحة على مستوى المنطقة العربية لا تُدار ضمن أطر مؤسسية معلومة وواضحة، ما يجعلها أكثر عرضة للترك والتعثر وربما للتبديد حتى.
إن ما يخلفه غياب نظام مؤسسي يعالج منح القروض الحسنة ضمن ضوابط رقابية شفافة، من شأنه أن يفتح النافذة على:
- إهدار للقيم والنتائج: مدام أن منح القروض الحسنة يصب في نهاية المطاف باتجاه تحقيق غايات إنسانية واقتصادية واجتماعية كما أسلفنا، إذن: فما هي المعايير التي من الممكن الركون إليها أو الانطلاق منها لتقييم مدى تحقق هذه الغايات أو عدمه؟ إذا ما تصورنا دوام الحال على ذات المنوال دون حوكمة وضبط.
- حجب الشفافية: كيف في ظل عدم توفر قراءات بيانية دقيقة للمستفيدين وكذا إجراءات وحالات السداد، أن نتصور تحقيق مستوى معين من الشفافية؟ قطعاً لا يمكن القول بذلك.
- تعذر التشبيك بين الجهات المانحة: إن في تنوع الصناديق الإسلامية والمؤسسات الخيرية المانحة للقروض الحسنة دون تشبيك مركزي، من شأنه أن يسهم في تفشي الفوضى وخلق حالة من عدم التنسيق.
لا غرو في أن الآنف من الإشكال يضعنا على عتبات ما يمكن أن يواجه ديمومة منح القرض الحسن من تحديات ومنها:
- التحفيز القانوني: تضمحل تلك التشريعات القانونية التي تعزز من تشجيع البنوك الإسلامية على منح هذه القروض الحسنة، لا سيما على مستوى الدول العربية، مما شكل حجر عثرة أمام استدامة منح القرض الحسن والعمل به.
- تنمية القدرات الإدارية: التقوقع داخل العمل التطوعي كطابع غالب على عملية منح هذا النوع من القروض، وعدم تجاوزه إلى إدارة مهنية احترافية يخضع أفرادها للتطوير الدائم، حال دون بزوغ أي ملامح أولية لحوكمة إدارية فمالية ذات علاقة.
- مصادر التمويل: إن ما يكتنف منح القروض الحسنة من طابع تطوعي، يعتمد على الهبات والتبرعات في تمويله، جعله ضعيف وهش في مواجهة الناجم من الأزمات الاقتصادية المتجددة مراراً.
تأسيساً على ذلك يكمن أن نقترح جملة من الاعتبارات التي نرى فيها سبيلاً لتخليق حوكمة يسفر عنها تحقيق غايات منح هذه القروض، وتؤطر أعمال إنجازها على نحو أكثر نجاعة، يأتي ترتيبها كما الاتي:
- على المستوى القانوني: نقترح سن تشريعات تكشف بوضوح عن أهداف القرض الحسن، وترسم بشكل محدد آليات منحه وتقديمه، وتكرس لضماناته.
- على المستوى التنفيذي: التأسيس لإدارات بعينها تتولى مهام الإشراف والمتابعة للمؤسسات ذات العلاقة بالقرض الحسن، على أن تكون إدارات مستقلة حتى تتابع أداء المؤسسات المعنية وفقاً للتشريعات النافذة دون أن تخضع لاي توجيه أو تحييد.
- على المستوى التنموي: من الأكثر نجاعة أن يتم رهن القرض الحسن بتحقيق غايات مجتمعية ملموسة، لعل منها أعمال التدريب على مستويات مهنية واقتصادية مثلاً.
- على المستوى الاستراتيجي: يمكن ربط القرض الحسن بتحقيق استراتيجيات مالية ذات طابع شمولي، سعياً لاستهداف أكبر عدد من المستفيدين ودرءاً للارتهان إلى المساعدات المباشرة.
لا ريب في أن ما ينجم عن ديناميات منح وسداد القرض الحسن من أزمات لا يمكن اعتبارها وليدة ظروف اقتصادية بعينها، وإنما يمكن أن نعزوها لعدم توافر حوكمة واضحة المعالم، فضلاً عن غياب تشريعي يؤطر له في مساق تحقيق التنمية لا في أوجه خيرية فحسب.
د. عبد المحسن اللافي اسويسي سعد
صحيفة الرياض 24 ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة السعودية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة